القصة

ـ هذه غرفتك سيدي …. ـ أشكرك…. دخل الغرفة و رمى حقائبه فوق السرير و سارع إلى إغلاق النافذة . علمته الحياة أن يحتاط حتى من نفسه … أخرج من جيب حقيبته صورة لأسرة ما , وأخذ ينظر إليها بحنان لفترة طويلة ثم وضعها على المنضدة , ما تزال نبضات قلبه تنبض بشدة كلما تذكر تلك المكالمة الهاتفية , أصبح يعيش في كابوس حقيقي , الموت يلحق به أينما حل , لن يتركوه يفلت بهذه السرعة , لم يجد راحته في هده الغرفة العربية الأصيلة , أراد أن يتنزه قليلا في شوارع المنامة المتراخية أطرافها مشى في الشارع مستسلما لجو تشرين اللطيف المنشط , حتى بلغ حديقة عمومية , واقتعد كرسيا بجانب امرأة غريبة و قبالة رجل يتصفح جريدة , تخفي ملامحه , انزعج من حركاته ففهم لتوه أن القصة ملعوبة , فهو مراقب , شعر بالضيق و الإرتباك و اقتحمت فكره أسئلة عديدة : أيعود إلى الفندق؟مادا لوقتلوه هناك ؟ على أية حال فالموت مصيره في النهاية , لكن عليه أن يفلت من رقابة هذا الجاسوس , فتظاهر بأنه مرتاح في هده الحديقة و أخذ يتمشى برفق وما إن انعطف مع أول عطفة على يساره حتى لاذ هاربا , ركض نحو الشارع و أوقف سيارة أجرة بالعنف , وقال للسائق : إلى فندق الحياة بأقصى سرعة من فضلك , ثم سرعان ما تراجع بعد أن خاف من أن يعرفوا مكانه, فاستدرك قائلا: خذني لأطراف المدينة , لأبعد مكان عن هنا . التاسعة صباحا ……………. قرب الميناء استرجع ذكريات الطفولة البريئة في بيروت تذكر ماضيه الرائع الذي سرعان ما انغمس في الدماء و تضرج بها , سرعان ما انقلبت حياته , ليعيش ما تبقى من عمره متنكرا و هاربا , بعيدا عن الوطن , بعد طول التفكير و الأخذ و الرد بينه و بين نفسه , فكر أن يعود أدراجه إلى الفندق . دخل الفندق , فناداه العامل بصوت عال : ـ يا سي محمد ,, ـ نعم هل من خدمة ؟ ـ باقة ورد لك . شقت خلده أسئلة محيرة فرد عليه : ـ ممن ألم تعرف صاحبها؟ ـ كلا وجدتها أمام باب غرفتك ناوله الباقة و فتح البطاقة و يداه ترتعشان و قرأ: “مازلت تجيد فنون المراوغة و التملص”, فنظر لأسفل العبارة ليقرأ صاحب الباقة , فوجده مكتوبا باللاتينية “eric” , ازدادت مخاوفه و انحنى محطما و مصدوما , لقد وصلوا أليه و يلعبون معه لعبة الأفلام البوليسية , دخل غرفته و انهار غير مصدق و هو على حذر من أن تقتحم الغرفة في أية لحظة و يغتال كما كان هو يفعل ذلك . عليه أن يرحل من الصبح إلى وجهة أخرى قبل أن يرحل إلى الدار الأخرى وخيل أليه و عيناه ما بين هول الصدمة و الأحلام أنه واقف أمام القاضي في المحكمة : ـ محمد سعيد الناصري أنت متهم بتهم عديدة , أولها قتلك لزوجتك المسيحية “جوزيل” و ثبت تعاملك مع جهاز الموساد , و الخيانة العظمى في حق الوطن , وانتحالك لشخصيات عديدة لأخفاء هويتك الأصلية يا سيد ERIC اليهودي. وضرب القاضي المطرقة , حكمت المحكمة حضوريا على المتهم “إريك شمعون” بالإعدام رميا بالرصاص ,,,,,,,, و استيقظ مذعورا …..آه مجرد كابوس مثل حياتي… أدرك أن كل أوراقه قد كشفت , أدرك أنه مجرم و جرائمه ستلاحقه نفسيا و قانونيا . بدأ يجمع أغراضه و أدخل صورة زوجته في جيب حقيبته, وأخيرا عند الساعة الثانية عشرة غادر الفندق ,لكن إلى أين …؟ سأعود إلى بيروت وليحدث ما يحدث, هو الموت و ألتحق بجوزيل. الساعة الثالثة بعد الزوال , بمطار بيروت ناوله العامل جواز سفره : تفضل يا سيد جورج …..شكرا ….. هكذا هو ينتحل أكثر من شخصية هاربا من نفسه و من واقعه و من العدالة و من هؤلاء الذين يتابعونه أينما حل و ارتحل كي يضعوا حدا لحياته , أول ما حطت قدماه تراب بيروت , فكر بشيء وحيد تمناه قبل عشر سنوات من الغربة و الإرتحال فارا بين مدن العالم فكر أن يزور قبرها , و يحمل لها بعض زهور اللوتس التي كانت تحبها آه……كانت تحب أن تجعلني إنسانا بريئا و تعيد إلي طفولتي , كانت تريد أن ننهي الإختلاف بيننا على ما هو ديني كانت تريد أن ننصهر في حياتنا , بعيدين عن الدين و عن السياسة و عن الحرب , لاشك أن حتفي اقترب. الساغة الخامسة و النصف عند الغروب و بين قبور مسيحية يعلو الصليب كل قبر إلا قبرها , لأنها شاءت ذلك ,وضع باقة اللوتس و تراجع إلى الخلف قليلا , و تلا ما تيسر من مراثي النبي ارميا , ودعا لها بالرحمة , و تمنى من كل قلبه ألا يكون مراقبا من جديد أو أن تكون هذه الباقة عبوة ناسفة ,,,,,و دب في جسده رعبفياض كأنه سيمفونية ثورية . هو يعلم تماما أنه سيموت هنا , لهذا عاد إلى بيروت ليموت في أرض لجوئه, حزن و تعب و قلق و موسيقى تنبعث من من كوخ حارس المقبره : نزل الليل و قلبي صار ……أنا قلبي صار ….مثل اللي محروق بنار …و بده النار …. وحل الليل و نزلت معه دمعة من عينيه و سرعان ما التف الظلام حوله فقام عائدا إلى حال سبيله , و ما أن فكر في العودة حتى رن جرس الهاتف من جديد…..وشعر بخوف شديد لا شك أنهم هنا , تردد كثيرا قبل أن يرد ظل قابعا في مكانه وهو مضطرب و رنين الهاتف يطرق دماغه ـ آلو نعم….. ـ حتما أنت غبي تقتل الميت و تمشي في جنازته ـ من أنتم؟ ـ نحن …….حسنا ……..نحن….. وانقطع الإتصال ليبقى المسكين في حيرة أخرى …قفل عائدا إلى الفندق , مر بالقبر الأول و الظلام دامس فأخذت نبضات قلبه تتسارع …..انفجرت قنبلة بالقرب من القبر و انفجر معه مجرم من نوع خاص , انتهت حياته و تطايرت أشلاءه ودنا منه رجال طوال …فتشوا جيبه …وجدوا ورقة : قتل السادات و الشاه هرب قتل الشاه و سوموزا هرب …….. …… ورن المنبه فاستيقظ مذعورا آه …….إنه مجرد كابوس طويل , زوجته ما تزال نائمة بجانبه ,همس بينه و بين نفسه : لم أقتلها الحمدلله . مجرد كابوس مرعب و خرج من تحت الغطاء برفق كي لا يوقظها وارتدى ملابسه و تراجع عن فكرة الإنضمام إلى الموساد, و أحس بارتياح عميق , المقهى فقط ,و سنعيش أنا و جوزيل حياة هادئة و مشى في شوارع بيروت وانتهى إلى منزله فدخل ورن الهاتف كما في الحلم و تردد كثيرا قبل أن يرد ـ آلوا من معي…؟ ـ أنت تراجعت فاحلم بقبر هادىء ـ انتو, شو بدكن مني….أما ما رح ظل منكم

You are not authorized to see this part
Please, insert a valid App IDotherwise your plugin won't work.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *